إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه logo إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
shape
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الأول)
193564 مشاهدة print word pdf
line-top
حكم التسول

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا، فليستقل أو ليستكثر رواه مسلم .
وقال لعمر رضي الله عنه: ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك رواه مسلم .


حكم التسول
قوله: وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا، فليستقل أو ليستكثر .
قيده بقوله: تكثرا، أي: عنده ما يكفيه فيسال زيادة، يستجدي ويستعطي ويسأل الناس، ويظهر أنه فقير وأنه ذو حاجة مع أنه يوجد عنده ما يكفيه، فمثل هذا حرام عليه؛ ولذلك قال: فإنما يسأل جمرا، أي: كأنه يأكل نارا والعياذ بالله.
وفي حديث آخر أنه عليه الصلاة والسلام قال: لا تزال المسألة بالرجل حتى يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم وذلك لأن تعرضه للناس وإظهاره أمامهم الفاقة خدوش يخدش بها وجهه، فكأنه يزيل بشرة وجهه ولحم وجهه والعياذ بالله.
والمسألة تحل للحاجة، وفي حديث قبيصة قال: لا تحل المسألة إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة، ورجل أصابته جائحة- والرجل الذي اجتيح ماله هو الذي أصابته مصيبة فاجتاحت ماله؛ كحريق أو موت في دوابه أو نحو ذلك، فأحلت له المسط له حتى يصيب كفافا أو سدادا- ورجل أصابته فاقة- يعني: فقر- حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه، فيقولون: لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة، حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش .
قوله: (وقال لعمر رضي الله عنه: ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك):
وذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- كان أحيانا يأتيه أموال زائدة كخراج أو جزية أو صدقات تطوع، فيعطي بعض أصحابه فيعطي عمر من جملة من يعطيه؛ لأنه كان سخيا كريما، فإذا أعطاه قال: لو أعطيته أفقر مني، فقد يوجد من هو أفقر منه؛ لأن عمر زاهد، وهو أيضا متكسب، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن هذا ليس من الزكوات، ولكنه من مال بيت المال، فقال: ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف، أي: ما استشوفت نفسك، ولا سائل، أي: ما استجديت، فقلت: أعطوني أنا محتاج وأنا مستحق فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك وإذا لم تعط شيئا، فلا تشتغل به ولا تتبعه نفسك، ولا تقل: لم يعطني الأمير أو لم يعطني الملك أو لم يعطني الخليفة؛ بل اقنع بما ترزق.
ومن هذا الحديث يؤخذ أنه إذا أتاك من بيت المال شىء وأنت لم تطلبه فلك أن تأخذه ولو كنت لا تستحقه، فإذا رأوا أنك أهل للمكافأة على جهدك وعلى نشاطك في العمل وما أشبه ذلك، فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك.

line-bottom